تغلّب على التسويف

في عام 1829، جرت الرياح كما تشتهي السفن بالنسبة للروائي الفرنسي الشهير، فيكتور هوغو، إذ عقد اتفاقًا مع دار نشر لكتابة رواية خلال عام واحد. لكن كما تجري العادة مع العباقرة، انجرف هوغو بعيداً عن مساره بسبب التسويف والمماطلة، لينشغل بأمور تافهة تُبعده عن غايته. ومع حلول صيف 1830، لم يكن قد كتب شيئًا يُذكر. وحينما اقتربت اللحظة الحاسمة، أرسلت له دار النشر إنذاراً نهائياً، مطالبةً إياه بإكمال روايته بحلول فبراير 1831، أي أنه لم يكن أمامه سوى ستة أشهر.

اتخذ هوغو خطوة جريئة تميزت ببساطتها وفعاليتها: جمع ملابسه جميعًا ووضعها في خزانة، مغلقًا عليها بإحكام، واحتفظ بثوب واحد فقط ليغطي به جسده. وهكذا، لم يعد يغادر المنزل، متفرغاً للكتابة. وبالفعل، بعد أن قضى فصلي الخريف والشتاء في عزلة، انتهى من روايته الشهيرة "أحدب نوتردام" قبل أسبوعين من الموعد النهائي. ولعل تلك المقولة الشهيرة من الرواية تعكس روح خطته: "مدَّ يده إلى جيبه، فلم يجد فيها إلا الواقع... لا شيء يجعل المرء مغامراً مثل جيب فارغة".

 أن السبب العلمي الرئيسي للتأجيل يكمن في كيفية عمل الدماغ البشري الذي يفضل المكافآت الفورية الصغيرة على الفوائد المستقبلية الكبيرة. بعبارة أخرى: "الإنسان يُحبّ العاجلة ويذَر الآخرة".

أدوات الالتزام

وبعد أكثر من قرن على إصدار "أحدب نوتردام"، تحديدًا في عام 1955، نشر الباحث روبرت ستروتز مقالًا يفسر فيه علمياً خطة هوغو، مشيراً إلى أن فرض قيود ذاتية لتحقيق هدف مستقبلي أكبر هو سلوك شائع. ومن الأمثلة، توفير الأموال في حساب لا يمكن فتحه إلا مرة واحدة في السنة، أو الزواج لتحقيق الاستقرار العاطفي. لاحقًا، أطلق ريتشارد ثالر، الحائز على جائزة نوبل في الاقتصاد، مصطلح "أدوات الالتزام" على هذه القيود الذاتية، موضحاً أن الناس قد يفضلون تقييد أنفسهم لتجنب الإغراءات الآنية.

أمثلة ونصائح عملية

ذكرت خبيرة العلوم السلوكية كاتي ميلكمان في كتابها "كيف تتغيّر؟" أمثلة على نجاح أدوات الالتزام. من أبرزها حالة "غرين بانك" في الفلبين، الذي شجع عملاءه على تقييد الوصول إلى حساباتهم، مما أدى إلى زيادة كبيرة في المدخرات.

التقييد هو الحل

ولتطبيق مفهوم التقييد في النواحي الحياتية اليومية للتغلب على التسويف، يمكن استخدام عدة أدوات وإستراتيجيات. وفيما يلي بعض الأفكار العملية لكل ناحية:

الناحية المالية

1. حسابات التوفير المغلقة: فتح حساب توفير لا يمكن سحب الأموال منه إلا بعد فترة محددة.
2. ميزانية صارمة: تحديد ميزانية شهرية مع تخصيص جزء محدد من الدخل للتوفير أو الاستثمار.
3. التطبيقات المالية: استخدام تطبيقات مالية تساعدك على متابعة نفقاتك وتذكيرك بالمدخرات.

الناحية الاجتماعية

1. الالتزامات الاجتماعية: جدولة مواعيد مع الأصدقاء والعائلة والتعهد بحضورها.
2. التعهدات العامة: الإعلان عن أهدافك الاجتماعية على وسائل التواصل الاجتماعي لتشعر بالالتزام أمام الآخرين.
3. مجموعة دعم: الانضمام إلى مجموعة دعم تشجعك على تحقيق أهدافك الاجتماعية.

الناحية الدراسية

1. الجداول الزمنية: إنشاء جداول زمنية صارمة للدراسة والالتزام بها.
2. مجموعات الدراسة: الانضمام إلى مجموعات دراسة تشجع على الالتزام بالمواعيد.
3. المكافآت الذاتية: تحديد مكافآت صغيرة لكل هدف دراسي يتم تحقيقه.

الناحية الروحية

1. العبادات اليومية: الإلتزام باوقات الصلاة وتخصيص زمن لقراءة القران.
2. التعهد الروحي: التعهد بأداء العبادات أمام الله وسؤاله الاعانه على ذلك.

التغلب على عقبة الهاتف

نظرًا لأن معظمنا يعاني من قضاء وقت طويل على الهاتف والذي يعد من أكبر العقبات التي تواجهنا، يمكنك استخدام الأدوات التالية:

1. تطبيقات مراقبة الوقت: استخدام تطبيقات مثل  "Forest" لمراقبة الوقت الذي تقضيه على الهاتف وتحديد فترات زمنية محددة للاستخدام.
2. تحديد أوقات معينة للهاتف: جدولة أوقات محددة لاستخدام الهاتف والالتزام بها، مثل فترة صباحية وأخرى مسائية.
3. وضع الهاتف بعيداً: عند الدراسة أو أداء المهام المهمة، ضع الهاتف في مكان بعيد أو استخدم وضع الطيران.
4. التطبيقات الحاجبة للمواقع: استخدام تطبيقات مثل "Cold Turkey" أو "StayFocusd" لحجب الوصول إلى التطبيقات أو المواقع التي تستهلك وقتك.
5. التحديات الشخصية: تحدي نفسك لتقليل وقت استخدام الهاتف تدريجياً، وتحديد أهداف يومية أو أسبوعية.

نصائح إضافية

• البداية البسيطة: ابدأ بإجراء تغييرات صغيرة وتدريجية في حياتك حتى لا تشعر بالإرهاق.
• التدوين: احتفظ بمذكرة لتدوين أهدافك والإنجازات التي تحققها.
• المكافآت: كافئ نفسك عند تحقيق الأهداف الصغيرة لتشجيع نفسك على الاستمرار.

استخدم هذه الأدوات والنصائح لإنشاء بيئة تشجعك على الالتزام وتحقيق أهدافك بعيداً عن التسويف.